سورة الأعراف - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)}
ذكر الله عز وجل فيما ينعم به على أهل الجنة نزع الغل من صدورهم. والنزع: الاستخراج والغل: الحقد الكامن في الصدر. والجمع غلال. أي أذهبنا في الجنة ما كان في قلوبهم من الغل في الدنيا. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الغل على باب الجنة كمبارك الإبل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين». وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم: {وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}.
وقيل: نزع الغل في الجنة ألا يحسد بعضهم بعضا في تفاضل منازلهم. وقد قيل: إن ذلك يكون عن شراب الجنة، ولهذا قال: {وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً} أي يطهر الأوضار من الصدور، على ما يأتي بيانه في سورة الإنسان والزمر إن شاء الله تعالى. {وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا} أي لهذا الثواب، بأن أرشدنا وخلق لنا الهداية. وهذا رد على القدرية. {وَما كُنَّا} قراءة ابن عامر بإسقاط الواو. والباقون بإثباتها. {لِنَهْتَدِيَ} لام كي. {لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ} في موضع رفع. {وَنُودُوا} أصله. نوديوا {أَنْ} في موضع نصب مخففة من الثقيلة، أي بأنه {تِلْكُمُ الْجَنَّةُ}. وقد تكون تفسيرا لما نودوا به، لأن النداء قول، فلا يكون لها موضع. أي قيل لهم: {تِلْكُمُ الْجَنَّةُ} لأنهم وعدوا بها في الدنيا، أي قيل لهم: هذه تلكم الجنة التي وعدتم بها، أو يقال ذلك قبل الدخول حين عاينوها من بعد.
وقيل: {تِلْكُمُ} بمعنى هذه. ومعنى {أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي ورثتم منازلها بعملكم، ودخولكم إياها برحمة الله وفضله. كما قال: {ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ}.
وقال: {فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ}.
وفي صحيح مسلم: «لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته منه وفضل».
وفي غير الصحيح: ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل، فإذا دخل أهل الجنة الجنة واهل النار النار رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها، فقيل لهم: هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله. ثم يقال: يأهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون، فتقسم بين أهل الجنة منازلهم. قلت: وفي صحيح مسلم: «لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه في النار يهوديا أو نصرانيا». فهذا أيضا ميراث، نعم بفضله من شاء وعذب بعدله من شاء. وبالجملة فالجنة ومنازلها لا تنال إلا برحمته، فإذا دخلوها بأعمالهم فقد ورثوها برحمته، ودخلوها برحمته، إذ أعمالهم رحمة منه لهم وتفضل عليهم. وقرى {أورثتموها} من غير إدغام. وقرئ بإدغام التاء في الثاء.


{وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)}
قوله تعالى: {وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ} هذا سؤال تقريع وتعيير. {أَنْ قَدْ وَجَدْنا} مثل {أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ} أي أنه قد وجدنا.
وقيل: هو نفس النداء. {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ} أي نادى وصوت، يعني من الملائكة. {بَيْنَهُمْ} ظرف، كما تقول: أعلم وسطهم. وقرأ الأعمش والكسائي: {نعم} بكسر العين وتجوز على هذه اللغة بإسكان العين. قال مكي: من قال: {نعم} بكسر العين أراد أن يفرق بين {نعم} التي هي جواب وبين {نعم} التي هي اسم للإبل والبقر والغنم. وقد روي عن عمر إنكار {نعم} بفتح العين في الجواب، وقال: قل نعم. ونعم ونعم، لغتان بمعنى العدة والتصديق. فالعدة إذا استفهمت عن موجب نحو قولك: أيقوم زيد؟ فيقول نعم. والتصديق إذا أخبرت عما وقع، تقول: قد كان كذا وكذا، فيقول نعم. فإذا استفهمت عن منفي فالجواب بلى نحو قولك ألم أكرمك، فيقول بلى. فنعم لجواب الاستفهام الداخل على الإيجاب كما في هذه الآية. وبلى، لجواب الاستفهام الداخل على النفي، كما قال تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى}. وقرأ البزي وابن عامر وحمزة والكسائي {أن لعنة الله} وهو الأصل. وقرأ الباقون بتخفيف {أن} ورفع اللعنة على الابتداء. ف {أن} في موضع نصب على القراءتين على إسقاط الخافض. ويجوز في المخففة ألا يكون لها موضع من الإعراب، وتكون مفسرة كما تقوم. وحكي عن الأعمش أنه قرأ {إن لعنة الله} بكسر الهمزة، فهذا على إضمار القول كما قرأ الكوفيون {فناداه الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب إن الله} ويروى أن طاوسا دخل على هشام بن عبد الملك فقال له: اتق الله واحذر يوم الأذان. فقال: وما يوم الأذان؟ قال: قوله تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} فصعق هشام. فقال طاوس: هذا ذل الصفة فكيف ذل المعاينة.


{الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (45)}
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} في موضع خفض ل {ظالمين} على النعت. ويجوز الرفع والنصب على إضمارهم أو أعني. أي الذين كانوا يصدون في الدنيا الناس عن الإسلام. فهو من الصد الذي هو المنع. أو يصدون بأنفسهم عن سبيل الله أي يعرضون. وهذا من الصدود. {وَيَبْغُونَها عِوَجاً} يطلبون اعوجاجها ويذمونها فلا يؤمنون بها. وقد مضى هذا المعنى.- {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ} أي وكانوا بها كافرين، فحذف وهو كثير في الكلام.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14